السبت، 15 سبتمبر 2018

في المسؤلية التأديبية



المسؤلية التأديبية
تتوافر هذه المسؤولية حال التقصير فى اداء الواجبات الوظيفية
وهى تكون كلما نكل القائمون عليها تخاذلا أو انحرافا عن حقيقة واجباتهم الوظيفية مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم
وعلى هذا النحو فأنه اذا ثبت فى حق الموظف انه قد أدى عمله باستخفاف او غفلة تاو لا مبالاة كان خارجا بذلك عن واجب اداء العمل بدقة وأمانة ومن ثم يكون مرتكبا لمخالفة تأديبية تستوجب مساءلته حتى ولو كان حسن النية سليم الطوية
وكل عامل يخرج على مقتضى الوجب فى اعمال وظيفته او يظهر بمظهر من شأنه الاخلال بكرامة وظيفته يجازى تأديبيا

وهنا يثور التساؤل عن ماهية الجريمة او المخالفة التأديبية
ونجد المشرع الادارى قد عرف الجريمة التأديبية بأنها :
(كل فعل  ايجابى او سلبى ينطوى على  الاخلال بموجبات  الوظيفة المنوط بها الموظف  العام وذلك بمخالفته لأحكام القوانين واللوائح والتعليمات الادارية المعمول بها وكذلك الاخلال بمقتضيات الوظيفة العامة بأن يطأ مواطن الزلل ويحوم حول الشبهات بما تضيع معه الثقة التى لابد من توافرها فى الوظيفة العامة والموظف معا

والمخالفة التأديبية تمتاز عن المسؤلية الجنائية بانها لا تخضع لقاعدة (لا جريمة الا بناء على نص )
وانما تشمل كل فعل او تصرف يتعارض مع واجبات الوظيفه العامة وآدابها
وبالتالى  فانها لا يمكن ان تكون محلا للحصر التشريعى  بحيحث يحدد المشرع  مسبقا كل جريمة والعقوبة التى تناسبها

ومن المسلمات فى المسؤولية العقابية  سشواء كانت جنائية ام تأديبية  ضرورة ثبوت الفعل المكون للجريمة او المخالفة التأديبية ثبوتا يقينيا  بدليل مستخلص  استخلاصا سائغا  مع سلامة التكييف القانونى  باعتباره جريمة تأديبية او جنائية  والا اعملت قرينة  البراءة اخذا بقاعدة  ان المتهم برىء حتى تثبت ادانته

والمشرع الادارى عندما وضع نظاما للتأديب عن المسؤولية الناتجة عن المخالفات التأديبية كان مبتغاه هو انتظام وحسن سير المرافق العامه عن طريق ردع الموظفين المخالفين
ولكن هذا التأديب حتى ينتج ثماره المرجوة منه فانه يجب ان لا يكون قد ركب متن الشطط فى القسوة او الافراط  المسرف فى الشفقة واللين
لأن كل ذلك لا يؤدى الى انتظام وحسن سير المرافق العامة
لأن الافراط المفرط فى الشفقة  واللين نجده يؤدى الى استهانة عمال المرافق العامة بأداء واجباتهم الوظيفية  طمعا فى هذه الشفقة المفرطة فى  اللين
كما ان ركوب متن الشطط فى القسوة يؤدى الى احجام عمال المرافق العامة عن حمل المسؤولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنهة فى الشدة
وعلى ذلك يجب على السلطة المختصة بالتأديب ان تضع ضمن عناصر تقديرها للعقوبة مصلحة المرفق العام وضرورة كون العقوبة زاجرةورادعة للموظفين الاخرين  وبذلك تحول دون ان يكون الموظف المخطىء مثالا يحتذى به بين زملاءه فتقرر نتيجة لذلك عقوبة شديدة على الموظف  وقد تلجأ الى اسلوك اسلوب التسامح والغفران مع الوظف فتقرر عقوبة بسيطة عليه

وقد قضت المحكمةالادارية العليا بأن :
سبب القرار الادارى بوجه عام هو الاخلال  بواجبات الوظيفة العامة  واتيان الموظف لعمل من الاعمال المحرمة عليه
ويجب لصحة القرار الادارى الصادر بجزاء تأديبى ان تقتنع السلطة المختصة بالتأديب بأن الموظف قد سلك مسلكا معيبا ينطوى على الاخلال بكرامة وظيفته او بالثقة  المودعةفى من يقوم بأعباءها  وان يكون هذ الاقتناع لوجه المصلحة العامة مجردا من الميل او الهوى  وقائما على وقائع سليمةصحيحة وثابته فى عيون الاوراق ومؤدية الى النتيجة التى خلصت اليها
فاذا ثبت صحةارتكاب العامل للمخالفة المنسوب اليه ارتكابها وقع عليه الجزاء المقرر لها  فيما بين حديه الادنى والاقصى  على ان يكون الجزاء متناسبا مع الذنب الادارى

والتناسب بين المخالفة التأديبية والجزاء الموقع عنها انما يكون  على ضوء التحديد الدقيق لوصف المخالفة وفقا للظروف والملابسات  المكونة لأبعادها بعيدا عن الافراط  فى اللين او الاسراف فى الشدة والقسوة

ونعنى بذلك ان التناسب  بين الجزاء والذنب الادارى  يستدعى ان يكون هذا الجزاء عادلا خاليا من الاسراف فى الشدة او الافراط فى استعمال اللين والرأفة

والمحكمةالادارية العليا فى قضاءها قد استلزمت ان تكون النتيجة التى يسعى اليها القرار الادارى الصادر بجزاء تأديبى قد تم استخلاصها استخلاصا  سائغا من اصول تنتجها ماديا وقانونيا (المنسوبية المادية والمنسوبية القانونية)

ولذلك يجب لصحة القرار الادارى ان يقوم على وقائع صحيحة مستفادة من مصادر ثابته ومؤدية الى النتائج التى انتهت اليها
والا كان منطويا على مخالفة القانون لانعدام الأساس القانونى الذى يجب ان يقوم عليه ولوقوع الخطأ فى تطبيق القانون

وجهةالادارة ملتزمهة دائما بأن تضع نفسها فى افضل الظروف التى تكفل لها صحة التقدير وان تجريه بروح موضوعية وبعيدا عن الهوىاو البو البواعث الشخصية ويشترط ان تكون لديها الناصر اللازمة لاجراء التقدير الصحيح

فالادارة ليست هوى او تحكما وانما هى نشاط يقصد  منوراءه تحقيق الصالح العام وهو ما يستلزم بالضرورة ان يكون تدخل رجل الادارة مبررا  بقيام الاسباب  التى تكفل اتجاهه لتحقيق هذا الصالح العام 

فرجل الادارة فى ممارسته للاختصاصات المنوطه به يجب ان لا يخضع فى مباشرتهالما تمليه عليه الأهواء والميول وانما يلزم ان يستند فى كل ما يصدر عنه من تصرفات او ما يمارسه من نشاط ادارى الى اسباب واقعية تبرر تخله

والادارة فى كل ذلك تنفذ حكم القانون والقاضى مدى صحةتنفيذ الادارة لأحام القانون

مبادئ الحكم: حرية التعبير - حق الدفاع - حق النقد - دستور - قانون - مبدأ المساواة لمحكمة الدستورية العليا "دستورية"

قضية رقم 42 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
مبادئ الحكم: حرية التعبير - حق الدفاع - حق النقد - دستور - قانون - مبدأ المساواة
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 20 مايو سنة 1995 م، الموافق 20 ذو الحجة سنة 1415 هـ
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله
أعضاء
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 16 قضائية "دستورية".
المقامة من
الدكتور/ ...
ضد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
2- السيد/ رئيس الوزراء
3- السيد/ رئيس مجلس الشعب
4- السيد/ رئيس مجلس الشورى
5- السيد/ وزير العدل
6- السيد/ النائب العام
7- الدكتور/ ...
8- الدكتور/ ...
9- السيد/ ...
الإجراءات
بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1994 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية من إلزام المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له، وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى الموظف العام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية في القضية رقم 1072 لسنة 1994 جنح السيدة زينب ضد المدعى وآخرين بوصف أنهم خلال الفترة من 28/8/1992 وحتى 21/11/1992 بدائرة قسم السيدة زينب بمحافظة القاهرة قذفوا وسبوا الدكتور/ ... وآخرين في علانية بطريق النشر، وكان ذلك بسبب أداء المجني عليهما الأول والثاني لأعمال وظيفتهما بأن قدم المتهم الأول "المدعي" - بسوء نية - إلى المتهمين من الثاني حتى الخامس بيانات ومعلومات غير صحيحة بقصد نشرها، أسند فيها إلى المجني عليهم أمورا لو صدقت لأوجبت عقابهم واحتقارهم عند أهل وطنهم، وذلك بأن أسند إليهم فيها التربح من أعمال وظائفهم في عمليات المناقصات والمزايدات الخاصة بتركيب شبكة الغازات الطبية والتكييف المركزي بكلية طب قصر العيني، والإعلان عن مناقصة لشبكة الغازات الطبية وإلغائها أكثر من مرة بغية إسنادها للمدعو ... صهر المجني عليه الأول بطريق الأمر المباشر. فقام المتهمون من الثاني إلى الخامس بنشر هذه الأمور بعبارات وألفاظ تصفهم بالتربح من أعمال وظائفهم، وإهدار المال العام والسرقة، وذلك بقصد الإساءة والتشهير بالمجني عليهم المذكورين، وعلى النحو المبين بالتحقيقات.وطلبت النيابة معاقبتهم بالمواد 171، 185، 195، 302، 303/2، 306، 307 من قانون العقوبات، والمادة 15/2 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية المضافة بالقرار بقانون رقم 36 لسنة 1979. وأثناء نظر الدعوى الجنائية، دفع المدعى أمام محكمة الموضوع - بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجب على المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له، وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات. وإذ قدرت المحكمة المذكورة جدية الدفع بعدم الدستورية، فقد صرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعى على الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية - في الحدود السالف بيانها - مخالفتها لأحكام المواد 47، 67، 69 من الدستور، واستنادا إلى ذات الأسباب التي أقامت عليها المحكمة الدستورية العليا حكمها الصادر بجلسة 6 فبراير سنة 1993 في الدعوى رقم 37 لسنة 11 ق "دستورية".
وحيث إن المادة 302 من قانون العقوبات تنص في فقرتها الأولى على أن "يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون، أمورا لو كانت صادقة، لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا، أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه".
كما تنص فقرتها الثانية على أنه "ومع ذلك، فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، لا يدخل تحت حكم هذه المادة إذا حصل بسلامة نية، وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة بشرط إثبات حقيقة كل فعل أسند إليه".
أما فقرتها الثالثة فنصها "لا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة". وتوجب الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية، على المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات "أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له -وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية - بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات".
وجاء في المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 113 لسنة 1957 المعدل لقانون الإجراءات الجنائية ما يلي "من المفهوم أن نص قانون العقوبات على عدم العقاب على القذف في حق الموظف العام أو ذي الصفة النيابية العامة، أو المكلف بخدمة عامة، مبناه أن المشرع قد افترض في القاذف التأكد بالدليل من صحة ما يرمي به، وأن أدلته جاهزة لديه قبل النشر، وإلا كان القذف مجازفة يعتمد مرتكبها على ما يتصيده من أدلة. لذلك يجب التدخل بإلزامه بتقديم هذه الأدلة دون مطل أو تأخير، وحتى لا تبقى أقدار الناس معلقة مدة قد تطول فيتأذون بهذا التعليق أبلغ الأذى، وأنه وإن كانت المصلحة العامة قد أباحت الطعن على الموظفين وغيرهم من ذوي الصفات العامة، فإن هذه المصلحة بعينها تقضى بحمايتهم من المفتريات التي توجه إليهم نكالا بأشخاصهم فتصيب الصالح العام من ورائهم بأفدح الأضرار، فرؤي لذلك إضافة حكم جديد إلى المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية يوجب على المتهم بارتكاب جريمة قذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات أن يقدم عند أول استجواب له - وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية - بيان الأدلة على وقائع القذف، وإلا سقط حقه في إثباتها بعد ذلك. على أن هذا الإيجاب لا يتجاوز مطالبته بتقديم صور الأوراق التي يستند إليها، وأسماء الشهود الذين يعتمد على شهادتهم ومن يستشهدهم عليه. وغني عن البيان أن إيراد هذا الحكم في المادة 123 بباب التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق، ينصرف أيضا بطريق اللزوم إلى التحقيق بمعرفة النيابة العامة، إعمالا للمادة 199 التي تسحب الأحكام المقررة لقاضي التحقيق على إجراءات التحقيق بمعرفة النيابة العامة فيما لم يرد فيه نص خاص بها...".
وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبا أساسيا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها. وفي هذا الإطار تزايد الاهتمام بالشئون العامة في مجالاتها المختلفة، وغدا عرض الآراء المتصلة بأوضاعها، وانتقاد أعمال القائمين عليها مشمولا بالحماية الدستورية، تغليبا لحقيقة أن الشئون العامة، وقواعد تنظيمها وطريقة إدارتها، ووسائل النهوض بها، وثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهي تؤثر بالضرورة في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية، متراجعة بطموحاتها إلى الوراء.
ويتعين بالتالي أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته، حقا مكفولا لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها، أو فرض قيود مسبقة على نشرها. وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي، وليس مقصودا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته، ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة، من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها، أو تتصادم في جوهرها، ليظهر ضوء الحقيقة جليا من خلال مقابلتها ببعض. وقوفاعلى ما يكون منها زائفا أو صائبا، منطويا على مخاطر واضحة، أو محققا لمصلحة مبتغاة.
ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحي التقصير فيه، مؤديا إلى الأضرار بأية مصلحة مشروعة. وليس جائزا بالتالي أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. أو مواطن الخلل في أداء واجباتها. ذلك أن ما يميز الوثيقة الدستورية، ويحدد ملامحها الرئيسية، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها، ولا يفرضها إلا الناخبون. وكلما نكل القائمون بالعمل العام - تخاذلا أو انحرافا - عن حقيقة واجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم، كان تقويم اعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا ارتباطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق التي ترتكز في أساسها على المفهوم الديمقراطي لنظام الحكم، ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومساءلتها، وإلزامها مراعاة الحدود والخضوع للضوابط التي فرضها الدستور عليها.
ولا يعدو إجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة، أن يكون ضمانا لتبادل الآراء على اختلافها، كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم - ولو كانت السلطة العامة تعارضها - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا.
ولئن صح القول بأن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين أراء متعددة جرى التعبير عنها في حرية كاملة، وإنها في كل حال لا تمثل انتقاء من السلطة العامة لحلول بذاتها تستقل بتقديرها وتفرضها عنوة، فإن من الصحيح كذلك أن الطبيعة الزاجرة للعقوبة التي توقعها الدولة على من يخلون بنظامها، لا تقدم ضمانا كافيا لصونه، وأن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها، وأن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح، لمواجهة أشكال من المعاناة - متباينة في أبعادها - وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الإرادة العامة.
ومن ثم كان منطقيا، بل وأمرا محتوما أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشئون العامة، ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين بالعمل العام. إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال. وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن أرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، فإن انتقاد القائمين بالعمل العام - وإن كان مريرا - يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية، أو يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها.
وليس جائزا بالتالي أن تفترض في كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام، أنها واقعة زائفة، أو أن سوء القصد قد خالطها. كذلك فإن الآراء التي تم نشرها في حق أحد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة، لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في أعلى درجاتها من عرض انحرافاتهم، وأن يكون المواطنون على بينة من دخائلها. ويتعين دوما أن تتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها.
وحيث إن الدستور القائم حرص على النص في المادة 47 منه على أن حرية الرأي مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، وكان الدستور قد كفل بهذا النص حرية التعبير عن الرأي بمدلول جاء بها ليشمل التعبير عن الآراء في مجالاتها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الدستور - مع ذلك - عنى بإبراز الحق في النقد الذاتي والنقد البناء باعتبارهما ضمانين لسلامة البناء الوطني، مستهدفا بذلك توكيد أن النقد - وإن كان نوعا من حرية التعبير - وهي الحرية الأصل التي يرتد النقد إليها ويندرج تحتها - لا أن أكثر ما يميز حرية النقد - إذا كان بناء - أنه في تقدير واضعي الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطني سويا على قدميه. وما ذلك إلا لأن الحق في النقد - وخاصة في جوانبه السياسية - يعتبر إسهاما مباشرا في صون نظام الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وضرورة لازمة للسلوك المنضبط في الدول الديمقراطية، وحائلا دون الإخلال بحرية المواطن في أن "يعلم"، وأن يكون في ظل التنظيم بالغ التعقيد للعمل الحكومي، قادرا على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بكيفية تصريفه. على أن يكون مفهوما أن الطبيعة البناءة للنقد - التي حرص الدستور على توكيدها - لا يراد بها أن ترصد السلطة التنفيذية الآراء التي تعارضها لتحدد ما يكون منها في تقديرها موضوعيا، إذ لو صح ذلك لكان بيد هذه السلطة أن تصادر الحق في الحوار العام. وهو حق يتعين أن يكون مكفولا لكل مواطن وعلى قدم المساواة الكاملة. وما رمى إليه الدستور في هذا المجال هو ألا يكون النقد منطويا على أراء تنعدم قيمها الاجتماعية، كتلك التي تكون غايتها الوحيدة شفاء الأحقاد والضغائن الشخصية، أو التي تكون منطوية على الفحش أو محض التعريض بالسمعة. كما لا تمتد الحماية الدستورية إلى آراء تكون لها بعض القيمة الاجتماعية، ولكن جرى التعبير عنها على نحو يصادر حرية النقاش أو الحوار، كتلك التي تتضمن الحض على أعمال غير مشروعة تلابسها مخاطر واضحة تتعرض لها مصلحة حيوية.
إذ كان ذلك فإن الطبيعة البناءة للنقد، لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع، وتقييمها - منفصلة عن سياقها - بمقاييس صارمة. ذلك أن ما قد يراه إنسان صوابا في جزئية بذاتها، قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين. ولا شبهة في أن المدافعين عن أرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه. ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها.
وحيث إن الحماية الدستورية لحرية التعبير - في مجال انتقاد القائمين بالعمل العام - غايتها أن يكون نفاذ الكافة إلى الحقائق المتصلة بالشئون العامة، وإلى المعلومات الضرورية الكاشفة عنها، متاحا، وألا يحال بينهم وبينها اتقاء لشبهة التعريض بالسمعة. ذلك أن ما تضيفه إلى دائرة التعريض بالسمعة - في غير مجالاتها الحقيقية - لتزول عنه الحماية الدستورية، لا بد أن يقتطع من دائرة الحوار المفتوح المكفول بهذه الحماية، مما يخل في النهاية بالحق في تدفق المعلومات، وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه. وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة، الحريصين على متابعة جوانبها السلبية، وتقرير موقفهم منها، ومؤدى إنكاره أن حرية النقد لن يزاولها، أو يلتمس طرقها إلا أكثر الناس اندفاعا وتهورا، أو أقواهم عزما.
وليس أدعى إلى إعاقة الحوار الحر المفتوح، من أن يفرض قانون جنائي قيودا باهظة على الأدلة النافية لتهمة التعريض بالسمعة - في أقوال تضمنها مطبوع - إلى حد يصل إلى إهدار الحق في تقديمها، وهو ما سلكه النص التشريعي المطعون فيه. ذلك أن الأصل وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات، هو أن انتقاد القائم بالعمل العام، أو من كان مضطلعا بأعبائه، يعتبر أمرا مباحا بشروط من بينها إثبات الناقد لحقيقة كل فعل أسنده إليه. وقد نظم قانون الإجراءات الجنائية في الفقرة الثانية من المادة 123 منه الكيفية التي يتم بها هذا الإثبات، وذلك بإلزام المتهم بأن يقدم للمحقق عند أول استجواب له - وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية - بيانا بالأدلة على صحة كل فعل أسنده إلى القائم بالعمل العام، وإلا سقط حقه في تقديم الدليل.
وإسقاط الحق في تقديم الدليل على هذا النحو، لا بد أن يعقد ألسنة المعنيين بالعمل العام خوفا، إذا هم أخفقوا في بيانه خلال ذلك الميعاد الذي ضربه المشرع، وهو ميعاد بالغ القصر. وعبئا على هذا النحو من الثقل، لا بد أن يكون مثبطا لعزائم هؤلاء الحريصين على إظهار نواحي القصور في الأداء العام، لأنهم سيتحرجون من إعلان انتقاداتهم هذه، ولو كانوا يعتقدون بصحتها، بل ولو كانت صحيحة في واقعها، وذلك خوفا من سقوط الحق في تقديم الدليل عليها.
يؤيد ذلك أن السقوط المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه، هو مما لا تترخص محكمة الموضوع في تقديره، بل يعتبر مترتبا بحكم القانون تبعا لقيام موجبه، بما مؤداه أنه إذا ما حكم بهذا السقوط، عومل الناقد باعتباره قاذفا في حق القائم بأعباء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، ولو كان نقده واقعا في إطارها، متوخيا المصلحة العامة، كاشفا عن الحقيقة دائما، مؤكدا لها في كل جوانبها وجزئياتها، مقرونا بحسن النية، مجردا من غرض التجريح أو التهوين من مركز القائم بالعمل العام. وهو ما ينحدر بالحق في النقد العام إلى منزلة الحقوق محددة الأهمية. ويخل بتعدد الآراء التي يتعين أن يشتمل عليها امتياز الحوار العام.
وحيث إن النص المطعون فيه ينال كذلك من ضمانة الدفاع التي لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة، بل تمتد مظلتها كذلك وما يتصل بها من أوجه الحماية، إلى المرحلة السابقة عليها. وهي بعد ضمانة كفلها الدستور من خلال إلزام ألدوله بأن تعمل على تقرير الوسائل الملائمة التي تعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم. وهي أكثر ما تكون لزوما في مواجهة القيود التي تقوض الحرية الشخصية أو تحد منها. وكذلك كلما ترتب على فواتها سقوط الحق في تقديم الدليل عند الفصل في اتهام جنائي بما يصادم المفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة. ويناقض بالتالي القواعد المبدئية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها، والتي تعكس في جوهرها نظاما متكامل الملامح يتوخى صون الحق في الحياة والحرية والشخصية المتكاملة.
ذلك أن من غير المتصور أن يكون دور المحامين رمزيا أو شكليا، متخاذلا أو قاصرا - عن أن يقدم للمتهمين تلك المعاونة الفعالة التي يقتضيها النظام الاختصامي للعدالة الجنائية، وقوامها الفرص المتكافئة التي يواجهون من خلالها الأدلة التي طرحتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، مع الحق في دحضها بأدلة النفي التي يقدمونها - لا خلال فترة زمنية محددة لا يحيدون عنها - بل كلما كان ذلك ممكنا، وإلى أن تصل المحاكمة الجنائية ذاتها - وعلى امتداد مراحلها - إلى خاتمتها. ودون ذلك لا يكون المحامون شركاء للسلطة القضائية في سعيها دأبا للوصول إلى الحقيقة، والتماس الوسائل التي تعينها على تحريها.كما يقع التمييز - في مجال مواجهة الاتهام الجنائي - بين من عناهم النص المطعون فيه من القاذفين في حق القائم بالعمل العام، وبين غيرهم من المتهمين. ودون أن يكون هذا التمييز مستندا إلى أسس موضوعية لها ما يظاهرها. وهو ما يعجز المحامين عن إدارة الدفاع عن موكليهم وفق أصول المهنة ومقتضياتها، وينحدر بضوابط ممارستها إلى حد إهدار مستوياتها الموضوعية التي يفترض أن يكون التزامها والنزول عليها، حائلا دون تقييد الحرية الشخصية بغير إتباع الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الإجرائية أو الموضوعية.
وإذا كان الدستور - بالنصوص التي كفل بها ضمانة الدفاع - يفترض ألا يقوم المحامون بعمل من جانبهم يخل بالمعاونة الفعالة التي ينبغي عليهم تقديمها لموكليهم صونا لحقوقهم، فإن التدخل تشريعيا بما يعوق إنفاذ متطلباتها، يكون كذلك - ومن باب أولى - ممتنعا دستوريا. ذلك أن مسار الدعوى الجنائية - في إطار الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه - لن يكون معبرا عن الحقيقة حتى في صورتها الراجحة، بل مشككا في نتيجتها، ومزعزعا الثقة في محصلتها النهائية، وهو ما يعتبر هدما للعدالة ذاتها بإنكار موجباته.
ولئن صح القول بأن كل إهمال للضوابط المثالية التي تفرضها المهنة على المحامين، لا يخل بالضرورة بضمانة الدفاع، وأن معيار تقييم فعاليتها لا يكون بإنكار حق المحامين في الخلق والابتكار بما يحد من خياراتهم فيما يعد لازما لإدارة الدفاع عن موكليهم، وإنما يتحدد هذا المعيار على ضوء ما يعد وفقا للمقاييس الموضوعية سلوكا معقولا يتقيد به المحامون وفقا لأصول مهنتهم، وكان من الصحيح كذلك أن النص المطعون فيه يؤول عملا إلى طمس الحقائق المتعلقة بنواحي التقصير في أداء القائمين بالعمل العام، فإنه بذلك يكون منحيا لضمانة الدفاع، ومخالفا أحكام الدستور التي تتوخى أن تكون المحاكمة الجنائية إطارا منصفا للفصل في الاتهام الجنائي، وأن يكون مدارها وغايتها النهائية، استكناها للحقيقة بكامل أبعادها، وبمراعاة أن ضمانة الدفاع هي المدخل إليها، والطريق إلى تعمق أغوارها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه مخالفا لأحكام المواد 40، 41، 47، 67، 69 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية، من إلزام المتهم بارتكاب جريمة القذف بطريق النشر في إحدى الصحف أو غيرها من المطبوعات، أن يقدم للمحقق عند أول استجواب له، وعلى الأكثر في الخمسة الأيام التالية، بيان الأدلة على كل فعل أسند إلى موظف عام، أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وإلا سقط حقه في إقامة الدليل المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات، مع إلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

مسئولية الطبيب

مسئولية الطبيب



مسئولية الطبيب

تنص الفقرة الأولى من المادة (13) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعاونة لهما، على أنه:
"لا يكون الطبيب مسئولاً عن الحالة التي يصل إليها المريض إذا تبين أنه بذل العناية اللازمة، ولجأ إلى جميع الوسائل التي يستطيعها من كان في مثل ظروفه لتشخيص المرض والعلاج".
ومفاد هذا النص أن:
التزام الطبيب في علاج مرضاه ليس التزاماً بتحقيق غاية، وإنما هو التزام ببذل عناية، وأن المناط في مسئولية الطبيب عن خطئه المهني أو تقصيره أن يثبت بصورة أكيدة أنه خالف في سلوكه – عن جهل أو تهاون – أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العلمية الأساسية التي لا مجال فيها للجدل أو الخلاف.
وهذا ما أكدته محكمة التمييز، وذلك بتواتر قضائها على أنه:
"من المقرر أن التزام الطبيب في علاج مرضاه ليس التزاما بتحقيق غاية، وإنما هو التزام ببذل العناية الصادقة في سبيل شفائهم، وأنه مع ذلك يسأل عن خطئه الفني مهما كان يسيرا، إذا لحق المريض بسببه ضرر، ذلك أنه يتعين إقامة التوازن بين حاجة الأطباء إلى الطمأنينة والثقة والحرية في مزاولة أعمالهم، وبين حاجة المريض إلى الحماية من أخطائهم وحقه في التعويض عن الأضرار التي تسببها، إلا أن مناط مسئولية الطبيب عن خطئه المهني أن يثبت بصفة أكيدة واضحة أنه خالف في سلوكه - عن جهل أو تهاون - أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العملية الأساسية التي لا مجال فيها للجدال أو الخلاف، فالعبرة ليست بوصف الخطأ بأنه يسير أو جسيم ولكن بثبوته من وقائع واضحة تتنافى في ذاتها مع الأصول الطبية المستقرة".
( الطعن بالتمييز رقم 441 لسنة 2001 مدني – جلسة 30/9/2002م )
ووفقاً لقواعد المسئولية:
فيُشترط أن تكون ثمة رابطة سببية بين الخطأ (المنسوب للطبيب) وبين الضرر الذي يحدث للمريض. وتقدير توافر أو نفي الخطأ الموجب للمسئولية وقيام علاقة السببية بينه وبين الضرر، هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع، ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى ما هو ثابت في الأوراق.
حيث جرى قضاء محكمة التمييز على أنه:
"من المقرر أن المناط في مسئولية الطبيب عن خطئه المهني أن يثبت بصورة أكيدة أنه خالف في سلوكه - عن جهل أو تهاون - أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العلمية الاساسية التي لا مجال للجدل فيها او الخلاف، وأن تكون ثمة رابطة سببية بين هذا الخطأ والأضرار التي تحدث للمريض، وأن تقدير توافر أو نفي الخطأ الموجب للمسئولية ورابطة السببية بينه وبين الضرر هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب مادام استخلاصه سائغا ومستندا إلى ما هو ثابت بالأوراق. ومن المقرر أن ركن السببية في المسئولية التقصيرية لا يقوم إلا على السبب المنتج الفعال المحدث للضرر دون السبب العارض الذي ليس له شأن بطبيعته في إحداث مثل هذا الضرر مهما كان قد أسهم مصادفة في إحداثه بأن كان مقترناً بالسبب المنتج".
( الطعن بالتمييز رقم 86 لسنة 1999 مدني – جلسة 18/10/1999م )
كما أن لمحكمة الموضوع – وهي بصدد تقدير توافر أو نفي الخطأ الموجب للمسئولية ورابطة السببية بينه وبين الضرر، باعتباره من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب عليه – أن تأخذ في ذلك بتقرير الخبير متى اطمأنت إليه واقتنعت بالأسباب التي بني عليها دون التزام بالرد استقلالاً على المطاعن التي توجه إليه، لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير.
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز، أن:
"المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتعرف حقيقتها من الوقائع والأدلة المعروضة عليها وبحث كل ما يقدم فيها من الدلائل والمستندات وموازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداها واستخلاص ما تراه متفقاً مع واقع الدعوى ولا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ولها أصلها الثابت بالأوراق. كما أن لها الأخذ بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى متى أطمأنت إليه واقتنعت بأسبابه وهي غير ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون التي وجهت إلى هذا التقرير لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في هذه المطاعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير ولا سلطان لمحكمة التمييز عليها في هذا التقدير متى أقامته على اعتبارات معقولة".
( الطعن بالتمييز رقم 4 لسنة 1997 تجاري/2 – جلسة 10/5/1988م )
هذا، ومن والمقرر أيضاَ أن مسئولية المتبوع عن فعل تابعه – طبقاً لنص المادة 240 من القانون المدني – قوامها وقوع خطأ (فعل غير مشروع) من التابع مستوجب لمسئوليته هو، بحيث إذا انتفت مسئولية التابع، فإن مسئولية المتبوع لا يكون لها من أساس تقوم عليه.
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن:
"النص في المادة 240 من القانون المدني على أن "يكون المتبوع مسؤولاً في مواجهة المضرور عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في أداء وظيفته أو بسببها"، يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن مناط مسئولية المتبوع عن الضرر الناجم عن فعل التابع هو علاقة التبعية وأن يكون العمل غير المشروع قد وقع من التابع في أداء وظيفته أو بسببها".
( الطعن بالتمييز رقم 494 لسنة 2001 مدني/2 – جلسة 21/10/2002م )
وبمفهوم المخالفة: إذا كان العمل الذي وقع من التابع مشروعاً، وينتفي عنه وصف "الخطأ"، فإنه لا مسئولية لا على التابع، ولا على المتبوع.
لما كان ذلك، وكان الثابت من تقرير لجنة أطباء الطب الشرعي التي أوقعت الكشف الطبي على المستأنفة الأولى، وأحاطت بملفها وتقاريرها الطبية، أنه:
لم يتبين لها (للجنة الطب الشرعي) في الإجراءات الطبية التي اتخذت حيالها (المريضة/المستأنفة الأولى) في عملية توليدها ما يخالف الأصول الطبية ... وولدت ولادة مهبلية عادية، ولم يكن بها من العلامات ما تصنفه توصيات الزمالة الملكية البريطانية علامات لحالات حملية ذات خطورة عاليه لنقل هذا الميكروب للطفل، وعليه لم تعط المضاد الحيوي الوريدي الوقائي أثناء الولادة.
كما لم يتبين في الإجراءات الطبية التي اتخذت حيالها في متابعة حالتها الحملية ما يمكن نسب إليه "خطأ طبي" ... وهي إجراءات طبية صحيحة، والمذكورة (المستأنفة الأولى) لم يكن بها حالة مرضية مشتبهة ظاهرة أثناء الحمل. وعدم أخذ الطبيبة مسحة مهبلية من المذكورة في حينه لا يمكن اعتباره خطأ طبي نظراً لاختلاف البروتوكولات الطبية في هذا المجال (كما أوضحنا بالحقائق العلمية).
وعليه، فاستناداً لما تبيناه من الأوراق الطبية الخاصة بالمذكورة (المستأنفة الأولى)، وطفلتها، والحقائق الطبية المختصة بهذا المجال، فلم يتبين ما يمكن معه نسب خطأ طبي في إجراءات متابعة حمل المذكورة وتوليدها، لاختلاف البروتوكولات الطبية في هذا المجال.
وكان مؤدى هذا الذي أوضحه وانتهى إليه التقرير الذي اطمأنت إليه محكمة أول درجة – بما لها من سلطة تقديرية – عدم ثبوت خطأ من قِبل المستشفى المستأنف ضدها الأولى أو تابعها (طبيبة التوليد)، يدل على مخالفة شيئاً من أصول الفن الطبي الثابتة حتى تنعقد مسئوليتهما عن التعويض، فإن الحكم إذ رفض إلزامها بالتعويض لعدم ثبوت خطأ قبلها استناداً لهذا التقرير الذي تضمن اسقاطاً لكل حجة مخالفة، ورتب على ذلك رفضه لدعوى الضمان الفرعية، لا يكون قد جانب الصواب، ويكون النعي عليه على غير أساس خليقاً بالرفض.

مذكرة دفاع في - ضمان أذى النفس

مذكرة دفاع في - ضمان أذى النفس


الدفاع 
 
لما كان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، أنه:
" من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن القانون المدني جعل الفعل الضار أحد مصادر الالتزام وقسمه إلى قسمين: أولهما- العمل غير المشروع، وقوامه تقرير مسئولية كاملة وشاملة ترجع في أساسها إلى فكرة الخطأ بوجه عام، وثانيهما- أذى النفس للضمان، وفقاً لأحكام الدية في الشريعة الاسلامية وقوامه أذى النفس - دون المال - وذلك عندما يستغلق على المصاب أو ذويه من بعده الطريق إلى جبر الضرر جبراً كاملاً شاملاً على أساس المسئولية التقصيرية لانتفاء خطأ مباشر الضرر، أو لكون المباشر مجهولاً، ... وحيث ان المادة 248 من القانون المدني تنص على انه "اذا كان الضرر واقعاً على النفس فان التعويض عن الاصابة ذاتها يتحدد طبقاً لقواعد الدية الشرعية من غير تمييز بين شخص وآخر وذلك دون اخلال بالتعويض عن العناصر الأخرى للضرر . . ."، كما نصت المادة 251 من ذات القانون  على  أنه " ا - تقدر الدية الكاملة بعشرة آلاف دينار ويجوز تعديل مقدارها بمرسوم . . . 2- ويصدر بمرسوم جدول للديات وفق أحكام الشريعة الاسلامية تحدد بمقتضاه حالات استحقاق الدية الشرعية كلياً أو جزئياً. . ."، واذ صدر ذلك الجدول بمرسوم، ... فإن مفاد ذلك وعلى نحو ما جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون المدني أن المشروع رأى أن التعويض يتحدد بمبلغ جزافي يقدر سلفاً وهو ما يتمثل في الدية الشرعية أو جزئها وفق أحكام الفقه الاسلامي ".
( الطعن بالتمييز رقم 397 لسنة 1997 تجاري – جلسة 9/3/1998م )
كما تواتر قضاء محكمة التمييز، على أنه:
" وحيث إنه عن النعي في شقة الثاني المتعلق بطلب الدية الشرعية المؤسس على مسئولية المباشر فهو في محله، ذلك أنالقانون المدني استهدف بالأحكام التي أوردها في باب ضمان أذى النفس الحفاظ على الدم المسفوك من أن يضيع هدراً، بحيث يضمن للمصاب دمه في الأحوال التي تقعد فيها أحكام المسئولية عن العمل غير المشروع عن التعويض عنه، وهو بهذه الغاية يروم التجاوب مع أحكام الشريعة الغراء فيما تضمنته من مبدأ أساسي هام تركز في القول المأثور "لا يطل دم في الإسلام"، فنص في المادة 255 منه على أنه "إذا وقع ضرر على النفس مما يستوجب الدية وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة 251، وكان وقوع هذا الضرر بطريق المباشرة، وباستعمال شيء مما ذكر في المادة 243، فإن المباشر يلتزم بضمانه، ما لم يكن في إتيانه ملتزماً حدود الدفاع الشرعي، وكان المباشر عند فقهاء الشريعة الإسلامية– وهي مصدر النص على ما سلف البيان، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو من يكون فعله الذي باشره بنفسه قد جلب بذاته الضرر وكان له سبباً بدون واسطة، أي بدون أن يتدخل أمر بين هذا الفعل وبين الضرر الذي نجم عنه مباشرة، وتختلف "المباشرة" بطبيعتها عن "التسبب" وهو ما كان علة للأمر ولكنه لم يحصله بذاته، وإذ كانت حركة السيارة هي من فعل قائدها لكونها من جراء نشاطه فإنه يعد مباشراً لكل ضرر ينجم من تدخل تلك الحركة في إحداثه تدخلاً مباشراً. لما كان ذلك وكان تصوير الواقعة على نحو ما أورده الحكم المطعون فيه من أن مورث الطاعنين كان يسير مستقلا دراجته النارية بالحارة الوسطى للطريق وانحرف ناحية اليمين مصطدما بالسيارة المؤمن عليها لدى الشركة المطعون ضدها التي كانت تلتزم الحارة اليسرى ثم عاد للحارة الوسطى ثم انحرف ناحية السيارة مرة أخرى مما أدى لتعلق الدراجة بالجانب الأيمن للسيارة إلى أن استقرت أسفلها مما أدى إلى دهس قائدها ووفاته وهذا التصوير يعني أن قائد السيارة هو الذي أحدث الضرر مباشرة دون أن يتوسط أمر أخر بين هذا الفعل وبين وقوع الضرر ومن ثم يكون قائد السيارة المؤمن عليها هو المباشر للضرر ولا يغير من ذلك انتفاء خطئه، إذ أن تقرير المسئولية عن الدية من أذى النفس ليس أساسه وقوع خطأ من المباشر وإنما وقوع الضرر ولا تؤدي مشاركة المضرور في إحداث الضرر إلى نفي مسئولية المباشر، وإنما تدفع هذه المسئولية إذا تعمد المضرور إصابة نفسه أو كانت الإصابة قد لحقت به نتيجة سوء سلوك فاحش ومقصود من جانبه وهو ما لم يقل به الحكم المطعون فيه وخلت منه الأوراق وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يوجب تمييزه جزئيا فيما قضى به من رفض الدعوى بالنسبة للدية الشرعية. وحيث إنه عن موضوع الاستئنافين رقمي ....... ، ..... لسنة 2012 تجاري/4 وفي حدود ما تم تمييزه وكان الحكم المستأنف قد انتهى صحيحا في قضائه إلى الإلزام بالدية الشرعية ورفض الدعوى بالنسبة إلى حراسة الأشياء وهو ما يتفق مع ما أوردته هذه المحكمة أنفاً فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون وحرياً بتأييده ".
( الطعن بالتمييز رقم 704 لسنة 2012 تجاري/1 – جلسة 20/3/2013م )
( الطعن بالتمييز رقم 401 لسنة 1996 تجاري – جلسة 12/1/1997م )
كما تواتر قضاء محكمة التمييز، على أنه:
" وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن القانون المدني استهدف بالأحكام التي أوردها في باب ضمان أذى النفس الحفاظ على الدم المسفوك من أن يضيع هدراً، بحيث يضمن للمصاب دمه في الأحوال التي تقعد فيها أحكام المسئولية عن العمل غير المشروع عن التعويض، وهو بهذه الغاية يروم التجاوب مع أحكام الشريعة الغراء فيما تضمنته من مبدأ أساسي هام تركز في القول المأثور "لا يطل دم في الإسلام"، فنص في المادة 255 منه على أنه "إذا وقع ضرر على النفس مما يستوجب الدية وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة 251 وكان وقوع هذا الضرر بطريق المباشرة، وباستعمال شيء مما ذكر في المادة 243، فإن المباشر يلتزم بضمانه ..."، وكان "المباشر" عند فقهاء الشريعة الإسلامية - وهى مصدر النص على ما سلف البيان، وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وهو من يكون فعله الذي باشره بنفسه قد جلب بذاته الضرر وكان له سبباً بدون واسطة، أي بدون أن يتدخل أمر بين هذا الفعل وبين الضرر الذي نجم عنه مباشرة، وتختلف "المباشرة" عن "التسبب" وهو ما كان علة للأمر ولكنه لم يحصله بذاته وإنما بواسطة ".
( الطعن بالتمييز رقم 35 لسنة 2010 مدني/2 – جلسة 28/11/2011م )
كما تواتر قضاء محكمة التمييز، على أنه:
" وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن للمؤمن الرجوع على ضامن أذى النفس بما أوفاه من تعويض للمضرور عن الفعل الضار بمقتضى من حوالة الحق التي تصدر له من المضرور، ولما كان تقرير المسئولية يرجع في أساسه إلى وقوع الضرر ولا يدفعها نفي الخطأ مما لازمه أن الحكم الجزائي ببراءة المباشر لعدم توافر الخطأ لا يحول دون الرجوع عليه بدعوى ضمان أذى النفس لعدم وجود ثمة أساس مشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية ".
( الطعن بالتمييز رقم 814 ، 839 لسنة 2008 تجاري/3 – جلسة 2/11/2010م )
هذا، وقد أقرت محكمة التمييز المبادئ القانونية التالية:
·      ليس للحكم الجزائي أن يعرض لمدى خطأ المصاب في مدارج الأخطاء المدنية،  وما إذا كان يبلغ سوء السلوك الفاحش المقصود أم لا. ولذا لا حجية له في هذا الأمر.
( الطعن بالتمييز رقم 5 لسنة 1993 تجاري – جلسة 23/5/1993م )
·      عبور الطريق بدراجة هوائية مع تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء، ليس سوء سلوك فاحش ومقصود من جانب المصاب.
( الطعن بالتمييز رقم 127 لسنة 1996 تجاري – جلسة 5/1/1998م )
·      عبور الطريق دون التأكد من خلوه من السيارات ومن غير المكان المخصص لذلك، ليس سوء سلوك فاحش مقصود.
( الطعن بالتمييز رقم 273 لسنة 1995 تجاري – جلسة 1/12/1996م )

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان تقرير المسئولية يرجع في أساسه إلى وقوع الضرر، ولا يدفعها نفي الخطأ، مما لازمه أن الحكم الجزائي ببراءة المباشر - لعدم توافر الخطأ - لا يحول دون الرجوع عليه بدعوى ضمان أذى النفس، لعدم وجود ثمة أساس مشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية.
ولما كان قائد السيارة -المدعى عليه -هو الذي أحدث الضرر مباشرة، دون أن يتوسط أمر أخر بين هذا الفعل وبين وقوع الضرر، ومن ثم يكون قائد السيارة هو المباشر للضرر، ولا يغير من ذلك انتفاء خطئه، إذ إن تقرير المسئولية عن الدية من أذى النفس ليس أساسه وقوع خطأ من المباشر، وإنما وقوع الضرر، ولا تؤدي مشاركة المضرور في إحداث الضرر – على فرض ثبوتها -إلى نفي مسئولية المباشر.
ولما كان الثابت بالأوراق، وبتقرير الطب الشرعي المودع بملف الدعوى الماثلة، أن وفاة مورث المدعيين ناتجة عن الحادث المروري محل الجنحة رقم 473/2013 مرور حولي، وما أسفر عنه من إصابات شديدة بالجسم – على النحو المفصل بالتقرير – وما اقتضاه علاج تلك الإصابات من إجراءات علاجية حتمية لإنقاذ حياته في حينه، وما ضاعف كل ذلك من ضيق شديد بالمسلك التنفسي، تم محاولة علاجه بتثبيت أنبوب للتنفس بفتحة رغامية بالقصبة الهوائية، وتضاعفت فيما بعد بانسداد ذلك الأنبوب، وحدوث ذلك هو من الأمور الواردة في مثل حالة المذكور (مورث المدعيان).
لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإنه من:
" المقرر -في قضاء هذه المحكمة -أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتعرف حقيقتها من الوقائع والأدلة المعروضة عليها وبحث كل ما يقدم فيها من الدلائل والمستندات وموازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن إليه منها وإطراح ما عداها واستخلاص ما تراه متفقاً مع واقع الدعوى ولا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها ولها أصلها الثابت بالأوراق. كما أن لها الأخذ بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى متى أطمأنت إليه واقتنعت بأسبابه وهي غير ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون التي وجهت إلى هذا التقرير لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في هذه المطاعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير ولا سلطان لمحكمة التمييز عليها في هذا التقدير متى أقامته على اعتبارات معقولة ".
( الطعن بالتمييز رقم 4 لسنة 1997 تجاري/2 – جلسة 10/5/1988م )
كما تواتر قضاء محكمة التمييز على أنه:
من المقرر أن لمحكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية الأخذ بتقرير الخبير المقدم في الدعوى متى أطمأنت إليه واقتنعت بالأسباب التي بنى عليها النتيجة التي انتهى إليها وهي لا تكون ملزمة بالرد استقلالاً على الطعون التي وجهت إلى هذا التقرير لأن في أخذها به محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الرد عليها بأكثر مما تضمنه التقرير وهي متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها فيما انتهت إليه فإنها لا تكون بحاجة من بعد إلى اتخاذ مزيد من إجراءات الإثبات بخبير تندبه ولا تلتزم بإجابة طلب الخصوم في هذا الشأن".
( الطعن بالتمييز رقم 214 لسنة 1999 مدني – جلسة 5/6/2000م )
الأمر الذي تضحى معه الدعوى الماثلة قد جاءت موافقة لحقيقة الواقع، وعلى سند صحيح من القانون خليقة بالقبول وإجابة المدعيين إلى طلباتهما فيها.